في العمل

الثلاثاء, 24 تشرين1/أكتوير 2017 18:50

صناعة التدريب .. الفريضة الغائبة والقوة الناعمة للاقتصاد المصرى

كتبه محمد عبدالله
  • كٌن أول من يعلق!
قيم الموضوع
(0 أصوات)

هناك مبدأ فى العلوم العسكرية يقول :" نقطة العرق في السلم توفر قطرة الدم وقت الحرب " وهى تعنى أن كل مهمة تدريبية وقت السلم يكون لها أثر كبير فى الحفاظ على الدماء وقت الحرب.

والتدريب هو مفتاح تطوير الدول والاستثمار في بناء الإنسان الذى يعد الاستثمار طويل الأجل والأكثر استدامة للتغلب على موبقات سياسة التخزين الوظيفى التى عانت منها الادارة الحكومية لملف البطالة لسنوات طويلة .

وتفرق دم ملف التدريب بين عدد من الوزارات والهيئات وأنشأنا وزارة للتعليم الفنى ثم قمنا بإلغاءها ولايوجد لدينا سياسة ربط التعليم بسوق العمل والاحتياجات الحقيقية لتخصصات مثل التجارة والحقوق والآداب وتوسعنا فى كليات وأكاديميات الاعلام فى الاقاليم رغم عدم وجود وسائل إعلامية تستوعب هذه الأعداد الكبيرة وضيق فرص العمل فى العاصمة .

التدريب ورفع الكفاءة وفى الوقت الذى تشهد فيه مصر العديد من المشروعات الكبرى والشروع فى تنظيم الآداء الإعلامى نجد أن مفهوم التدريب لم يأخذ حقه من الاهتمام سواء على مستوى المشروعات أو إصلاح حال الإعلام .

وللأسف فقد ترسخ فى الأذهان فى بيئة العمل المصرية أن التدريب هو فرصه للراحة من العمل أو "التزويغ" الشيك ناهيك عن نقص التدريب أو انعدامه فى كثير من المؤسسات وعدم وجود ميزانية ثابتة لبرامج التطوير حتى فى كبريات المؤسسات الصناعية الكبرى رغم أهمية التزود بالمعارف العملية فى ظل ثورة التكنولوجيا والتنافسية الشديده من جانب اليد العاملة المدربة القادمة من شرق آسيا . والتدريب بمفهومه البسيط هو ( عرض نظري أو أكاديمي أقل وممارسة فعلية وتطبيق عملي من جانب المتدربين أكثر) .

ومن ثم لم يعد التدريب أداة تطويرية لمهارات الموظفين فحسب بل خياراً استراتيجياً للاستثمار في الإنسان كأهم عناصر الإنتاج و التنمية البشرية، فنمو الناتج القومي الإجمالي للدول و إن كان أمراً ضرورياً لتقدم البلدان و ازدهار مستوى المعيشة فيها إلا أنه ليس كافيا وحده لإحداث التنمية البشرية للمجتمعات. و من هنا أدركت الدول المتقدمة أهمية الاستثمار الحقيقي في مواردها البشرية و دفعت بدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخصيص ما يقارب 70 مليار دولار سنويا للتدريب في موقع العمل.

بينما بلغ حجم الانفاق عليه عالميا في عام 2013 ماقيمته 306.9 مليار دولار تنفق أمريكا الشمالية عليه نحو 141 مليار دولار وبقية دول العالم تنفق 165 مليار دولار وفي عام 2007 تم انفاق 302 مليار دولار..بينما تنفق بريطانيا 17 مليار جنيه استرلينى و أصبح التدريب أحد عوامل الجذب الأساسية التي ينشدها العامل للالتحاق بمنشآت الأعمال إلى الحد الذي تشير فيه الدراسات أن 64% من المتقدمين للوظيفة في الولايات المتحدة يهمهم وجود فرص التدريب و التطوير المستمر في المنشآت أكثر من أهمية المرتب الأساسي.

وتتأكد أهمية التدريب من خلال متابعة ما توصلت إليه بعض الدول الفقيرة في الموارد الطبيعية التي دعتها الحاجة إلى التركيز على الاقتصاد القائم على المعرفة لتعزيز نموها الاقتصادي، بالاهتمام بتنمية مواردها البشرية بالتدريب والتطوير ، مثل الهند وماليزيا والفلبين وسنغافورة، وكوريا الجنوبية التي تحولت خلال فترة قليلة من الزمن (20 إلى 30 عاما) من دول يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، ومن دول زراعية بدائية إلى دول صناعية متقدمة من خلال تهيئة وتوجيه مواردها البشرية من خلال التأهيل والتدريب . ومن أهم أنواع التدريب مايعرف بالتدريب على رأس العمل،وهو يهدف الى رفع كفاءة العاملين أثناء العمل سواء كان التدريب في مكان العمل الفعلي وخلال ساعات العمل اليومي أو خارجه في معاهد ومراكز تدريب خارجية؛ بهدف تنمية المهارات المختلفة للعاملين، وتجديد ما لديهم من معلومات ورفع كفاءتهم لتحقيق المهمات المسندة إليهم على الوجه الأكمل. وتعد الموارد البشرية المدربة القوة والمحرك الرئيسي لتنمية الموارد الاقتصادية الأخرى المتاحة بالمجتمع. وهى المحور الأساسي في سباق النمو والتقدم في دول عالمنا المعاصر حيث استطاع اليابانيون أن يستعيدوا عافيتهم بسرعة كبيرة جداً ما بعد الحرب رغم هزيمتهم بفضل برامج التدريب والتطوير للموارد البشرية.

تجارب ملهمة و تعتبر التجربة الكورية من أنضج تجارب النمو الآسيوية من حيث النقلة التنموية الشاملة التي حققتها هذه الدولة (على الرغم من قلة مواردها الطبيعية) خلال فترة لم تتجاوز الثلاثة عقود انتقل خلالها الاقتصاد الكوري من اقتصاد زراعي متخلف إلى اقتصاد صناعي متقدم يحتل مرتبة عالمية مرموقة وجعلت من الاقتصاد الكوري من أسرع اقتصاديات العالم بفضل برامج طويلة المدى للتدريب وتطوير المؤسسات حيث قدمت الحكومة للجامعات والأساتذة كأفراد ولمراكز البحوث دعم مالي لمدة 5 سنوات للقيام بمشروعات محددة وتدريب طلاب الدراسات العليا. التجربة الماليزية أيضا من التجارب الملهمة فى مجال التدريب والتطوير والاهتمام بالموارد البشرية تميزت بإنشاء المدارس الذكية لتعليم الطلبة التقنية الحديثة، مع غرس قيم العمل المنتج في النشء، وكذلك بربط برامج التعليم والتدريب باحتياجات التنمية المحلية وبمواكبة عصر العولمة في آن واحد، وإشراك القطاع الخاص المحلي والأجنبي في وضع سياسات التعليم والتدريب مع الجهات الحكومية، وتحفيز القطاع الخاص المحلي والأجنبي في الاستثمار بقطاعي التعليم والتدريب.

والتجربة الكورية هى الأخرى تميزت بدعم الحكومة للجامعات ومراكز الأبحاث لإجراء الدراسات التطويرية للتعليم والتدريب في مجالات محددة، وتنفيذ برامج تدريب مهني تغطي كافة المهن والأعمار والمناطق، وفتح الباب دون قيود للقطاع الخاص للاستثمار في قطاعي التعليم والتدريب.

وركزت التجربة الهندية على قطاع تقنية المعلومات، وتكوين مجلس قومي لتحسين نوعية التعليم والتدريب، وإلزامية التعليم المجاني حتى نهاية المرحلة الثانوية فقط، وزيادة المخصصات المالية للجامعات واستقلاليتها، والتركيز على النوعية وتوجيه فائض طلاب الثانوي للتعليم الفني.

أما التجربة الفلبينية فقد ركزت على تأهيل القوى العاملة للتعامل مع التقنية وتطوير مؤسسات التعليم والتدريب وتحويل أساليب التعليم من التلقين إلى الابتكار، وتصدير فائض العمالة الفنية للخارج، وأن يكون التعليم باللغة الفلبينية والإنجليزية معاً، والتعاون مع اليابان في مجال التدريب، والاستفادة من برامج التعاون الدولي في مجالي التعليم والتدريب، كما أنها سعت لاستخدام المنظمات الأهلية غير الحكومية في إعادة تأهيل الذين لم يجدوا وظائف في سوق العمل لوظائف أخرى.

التجربة الاسترالية من جانبها تميزت بالتركيز على التعليم والتدريب كمفاتيح لتنمية الموارد البشرية والمجتمع ككل، ودمج برامج التعليم الفني والتدريب المهني مع برامج الثانوي العام وربطها باحتياجات سوق العمل، وتبني أنماط جديدة من التعليم مثل التعليم عن بعد والتعليم المستمر والتعليم التعاوني، والتركيز على تدريب المعلمين والمدربين قبل المتدربين، ومشاركة القطاع الخاص في قرارات تنمية الموارد البشرية.

هيئة وطنية للتدريب وتحتاج مصر فى ظل ماتشهده من مشروعات الى وجود " هيئة وطنية للتدريب " تربط احتياجات الدولة من الوظائف بمناهج التعليم وربطها أيضا بمواقع المشروعات . وإذا أردنا أن نطبق ذلك واقعيا فمثلا مشروع العاصمة الادارية الجديده يمكن أن نحدد عدد الوظائف والأيدى العاملة والتخصصات المطلوبه والمدة التى سيستغرقها هذا العمل وتقوم " الهيئة الوطنية للتدريب " بتجهيز برامج تدريب وتأهيل لكافة التخصصات على مدار فترة المشروع والتى سيكون لها إثر ايجابى حتى بعد انتهاء المشروعات لانه سيكون لدينا مخزون استراتيجى من الخبرات التى ستكون مؤهلىة لنقل خبراتها للأجيال القادمة .

وإذا أردنا ربط ذلك بالتعليم فاننا مثلا سنحتاج التركيز على التخصصات الهندسية والعمالة المتخصصة فى البناء بكل تخصصاته.

كذلك ستحتاج الى تخصصات معينة فى الطب والزراعة ..ويمكن تحديد أعداد الطلبة فى أقسام الكليات والجامعات . نحتاج أيضا إلى رفع كفاءة الموظفين ومقدمى الخدمات الذين يتعاملون مع الجمهور بتنظيم دورات تدريبية مكثفة تساهم فى انجاز العمل بسرعة وجودة وخاصة فى الهيئات الحكومية وفى مجال الاعلام انتشر مصطلح " الإعلام الفاسد" والذى إن كان موجودا فسببه عدم وجود تدريب لطلبة الإعلام أو حتى ممارسى المهنة من الصحفيين والإعلاميين سواء معدين أو مذيعين أو الاطقم التى تعمل خلف الكاميرات .

إصلاح حال الإعلام لن يتم إلا بالتدريب المتواصل لمدة 5 سنوات لجميع أفرع الإعلام وتقييم الآداء ..أزمة " ماسبيرو" حلها فى التدريب وتحويل قطاعات كبيره من العماله الى عماله منتجه وليست مجرد تخزين وظيفى .

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة