في العمل

أميرة بو عوينة

أميرة بو عوينة

ناشطة اجتماعية من تونس

الثلاثاء, 19 أيلول/سبتمبر 2017 12:06

يوميات ناشطة تونسية - بنت البطة السودا

يوم 17 ديسمبر 2010 لم يكن يوما عاديا في تاريخ تونس ما بعد الاستقلال، لن اتحدّث عن ثورة و ساترك للمؤرّخين و التاريخ تحديد ما حدث يومها.
كان الجوّ حينها كئيب و متشنّج، بدات بوادر انشقاقات في المواقف و بدا غليان في الوسط و الجنوب و الشمال الغربي للبلاد التونسيّة و يقابله تكتّم و لا مبالاة في مناطق أخرى, مثلها مثل الاعلام البنفسجي المنسوب للون الحزب الحاكم.
لن اذكرالتفاصيل لاتركها للمختضّين؛ فكلّ ما يعنيني في تلك الفترة بروز اسماء و تيّارات فكريّة على المواقع الاجتماعيّة خلتها انتقلت للرّفيق الأعلى لشدّة تملّقها لنظام بن علي أو لانصهارها في مجتمعات الغرب الكافر، كما يحلو لانصارها نعت دول أوربّا
و أمريكا التي احتضنتهم. اسماء قدمت حاضنة لشباب غاضب، و عرفت كيف تستقطب مدوّنين و معطّلين عن العمل من اصحاب الشّهائد العليا و شريحة كبيرة من الطّلبة المضطهدين و المقموعين من طرف بوليس لا يرحم. كلّ الاوراق بدات تختلط من جديد بعد انفجار بركان في حالة خمود اجباري.
بعد الانفجار الحزبي و تعدّد الخطابات و تحرّر الاقلام, بدأت رحلتي في البحث عن حزب يمثّلني و يقنع توجّهاتي التقدّميّة الاجتماعيّة.

بدات الرّحلة بسلسلة من النقاشات مع بعض المقرّبين الذين انخرطوا قبل سنوات في عمل نضالي تحت راية الاتّحاد العام للشّغل
أو مع الاصدقاء الصحفيين و دارسي العلوم السّياسية, دون ان انسى ناشطي المجتمع المدني. وخرجت من دائرة الاصدقاء الى الاجتماعات العامّة و الخاصّة مرورا بصفحات بعض المدوّنين الناشطين خارج حدود الوطن.

كان تركيز البحث على مبادئ بعينها تدور حول شعار "شغل.. حريّة.. كرامة وطنيّة" أي كنت أبحث عن مجموعة تؤمن بالحريّات الفرديّة و ستعمل على تحقيق العدالة الاجتماعيّة و جعل الكرامة قيمة اساسية للتعامل بين ابناء الوطن. و بعد الجولة, اقنعني صديق بمبادئ حزب اجتماعي ديمقراطي و بدأ مشواري السّياسي.
مع الاهتمام بالامور التّنظيميّة للحزب في مدينتي, كنت اشارك في دورات تكوينيّة للتمكّن من مبادئ الحزب و التعمّق في فهم المغزى من انتخاب المجلس التاسيسي الذي اصبح هاجس الاغلبية حتّى عن جهل. فكلمات مثل نزاهة و شفافيّة الانتخابات, عدالة انتقاليّة, ديمقراطيّة ناشئة, جمهوريّة ثانية, علمانيّة, اسلاميّة، و العديد من المفاهيم الجديدة التى غزت الفضاء الاعلامي و الفضاء العامّ و الخاصّ و اصبحت الخبز اليومي للتونسيين المتعطّشين للتغيير.

و كنت من متتبّعي كلّ التطوّرات السّياسية و الاجتماعيّة في تونس و ليبيا و مصر. و كنت ممن بارك كلّ التحرّكات الشبابية
و اعتبرها انجازات و احاول تغاضي صعود التيّارات الدّينيّة و الاحزاب الاخوانيّة، لانني كنت أؤمن بالتطوّر الطبيعي للمجتمعات
و أنّ الرجوع للسلف مهما كان توجّهه، باطل، و كانت اوّل صدمة من المجتمعات العربيّة الرجعيّة اللاّ حداثيّة. و بعد الاستفاقة من نشوة التقدّم و الحرّيات الفرديّة و تشبيب العقليّات المتكلّسة, بدأت صدمتي تكبر مع تحديد موعد انتخابات المجلس الوطني التّأسيسي و بداية الصّراعات حول القوائم المترشّحة.

الى جانب الصّراعات الايديولوجية، بين الاحزاب الدينية اليمينيّة و احزاب اليسار الدّاعية لنظام مدني لائكي, برز صراع نساء/ رجال و شباب/ شياب، و دخلنا في دوّامة لا تنفع لا البلاد ولا العباد. امّا عن الحزب الاصلاحي الاجتماعي الدّيمقراطي، الذي آمنت به فلم يكن كما حلمت. فهلّت علينا وجوه لم نسمع بها من قبل تترأس القوائم في الدّائرات, وسمعنا بأموال تصرف تحت الطاولات

و آخر الصّدمات و أشدّها بداية محادثات في الكواليس و الجلسات الخاصّة، برعاية شخصيّات و دول, لامكانيّة تحالف مع حزب ذو مرجعيّة دينيّة بعد الانتخابات. و بما انّني كنت مترشّحة على قائمة في دائرتي لم استطع الانسحاب حفاظا على سمعة مشروع " امراة سياسيّة".

و بعد انسحاب صديقي من الحزب و من هياكله, وجدت نفسي وسط مجموعة لا تمتّ لي بصلة. قمت بالحملة على أحسن وجه

و حاز الحزب على مقعد في المجلس عن دائرتي. كان فخرا لي و كنت على أمل أن لا تكون اشاعات التحالف الحكومي مع النّهضة صحيحة. و كنت انتظر مواقف صارمة من مناضلي الحزب؛ لكن هيهات فقد قسموا الكعكة و اخذوا قراراتهم. غضب الكثير من الشباب الذي ساند الحزب وناضل صلبه, و استقال اغلبهم خاصّة بعد تنكّر الامين العام للحزب لمجهودهم و استنجاده بشباب ابناء عائلات نافدة من قبل 14 جانفي ( يناير) أو من كانت خارج تونس.

و كنت دائما أتوخّى الحذر في اتّخاذ القرارات أو كما يقال, " اثقل" و احاول البحث عن تفسير لتصرّفات مؤسّسي الحزب. وبعد الدّخول للمجلس و ضمان الوزارات في حكومة " التّرويكا", اقتسموا المواقع و اعادوا ترتيب بيتهم الجديد و لم يكرّموا او حتّى يقولوا شكرا لمن عمل معهم, بل حسبوا انفسهم اسيادا ليستغلّوا جهد غيرهم لتنفيذ برامج الترويكا. لكن هيهات فقد اخترقت النّهضة مكاتبهم المحلّيّة و استطاعت ابعاد التّقدميين و لم يسمعوا نداءنا و لا اقتراحاتنا بل وصل بالبعض الى نعتي بالمندسّة لصالح حزب يساري و هدّدني آخر باسكاتي على طريقته.

وعندما وجدت نفسي بلا مساند، سوى أبي و خالتي، و لا منصت وشعرت بنفسي كما يقال " البطّة السّوداء", قرّرت الانسحاب لوقت معيّن للمراجعة و المحاسبة و عدت الى العمل الجمعيّاتي. و في تلك الفترة, واجهت اصدقائي و عائلتي و كل من لامني على اختياري و حمّلوني وزر الانتخابات و خيانة أمين عام حزب تقدّمي وصولي متعجرف. فكانت نقطة التحوّل و اكتشاف أميرة أخرى, أكثر تمرّدا و أكثر اصرار على معارضة أحزاب المصالح. و شاركت في اغلب الوقفات الاحتجاجيّة أمام المجلس و قرّرت الانخراط في جمعيّة نسويّة و انطلقت رحلة رائعة في مناصرة قضايا المرأة و العمل من أجل ادراج المساواة في الدّستور و كانت لي تجارب غنيّة في تونس و خارج تونس مع منظّمات دوليّة.

فشكرا لمن خان العهد و شكرا لنفسي، التي لا تحتمل الغدر و تتوق دائما لمستقبل جميل و مضيئ. و تبقى المرأة التونسية و شباب تونس الكنز و الثّروة و "الثّورة" و عاشت الجمهوريّة.